
تمكن محمد حسنين هيكل، الذي تصادف اليوم ذكرى ميلاده المائة، من استقطاب كبار الكتاب والمثقفين للعمل في الأهرام، حيث مثلوا قوة ثقافية كبيرة في الدور السادس. وضمت هذه المجموعة توفيق الحكيم، وحسين فوزي، ونجيب محفوظ، ولويس عوض، وعائشة. عبد الرحمن، يوسف إدريس، محمود درويش، كلوفيس مقصود، صلاح طاهر، جمال العطيفي وآخرون.
توفيق الحكيم.. وهيكل
وكان توفيق الحكيم أول كاتب ينضم إلى الأهرام عام 1957، وبقي هناك حتى رحيله عام 1987. وعرض عليه هيكل الانضمام إلى الأهرام بعقد مالي كبير قدره 3000 جنيه مقابل مجيئه وجلوسه. في مكتبه بالأهرام فقط، حتى لو كتب شيئاً. ويحاسب عليه أيضاً. فتعجب الحكيم وقال لهيكل: ماذا تستفيد من جلوسي خاملاً في الأهرامات؟
وقال هيكل: عندما تجلس مع شباب يتناقشون معك فهذا مفيد للأهرام، وعندما تجلس مع نجيب محفوظ ويوسف إدريس وحسين فوزي، ويحدث حوار بين الأجيال حول الواقع الثقافي والحياة السياسية وفي مصر… فهو مفيد للأهرام أيضًا. أي رجل كان الرجل الحكيم؟ ما هي الأسطورة؟
هيكل وتوفيق الحكيم
نجيب محفوظ
ومن أهم من عملوا في الجولة السادسة هو الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ، وعلاقته بـ«الأهرام» بدأت قبل ذلك. تقول رجاء النقاش في كتاب “نجيب محفوظ صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته” إن نجيب اعتذر في البداية للإعلامي علي حمدي الجمال لعدم امتلاكه رواية جاهزة. وحالياً تنشر كحلقة في جريدة الأهرام، وعندما انتهى من روايته “أولاد حارتنا” في أبريل 1958م، تواصل مع علي حمدي الجمال، واتفقا على موعد، و – بدأ الأهرام في نشر الرواية في سبتمبر 1959م.
وقرر هيكل نشر رواية «أولاد حارتنا» بشكل يومي، وذلك لأول مرة في تاريخ «الأهرام» التي كانت تنشر الروايات أسبوعيًا. وقرر هيكل نشر الرواية يوميا حتى لا يعطي فرصة لرجال الدين من الأزهر وغيرهم لرد الفعل، فتحرك رجال الدين لمهاجمة الرواية. حتى أن الزعيم جمال عبد الناصر طلب من هيكل أن يجيب بأنها رواية كتبها نجيب محفوظ ويجب نشرها حتى الكلمة الأخيرة.
يقول الكاتب الكبير محمد سلماوي، إن محمد حسنين هيكل، في عام 1961، عندما بلغ نجيب محفوظ الخمسين من عمره، ذهب الشاعر الكبير صلاح جاهين إلى هيكل ليطلب الإذن بتخصيص قاعة الأهرام الكبرى للاحتفال بعيد ميلاد نجيب محفوظ. ووقتها لم يكن نجيب كاتبا في الأهرام. ولم ينشر أياً من أعماله هناك، باستثناء رواية «أولاد حارتنا» التي أثار نشرها جدلاً واسعاً حينها.
ووقتها قال هيكل لجاهين: نحن أحق أن نقيم هذا الاحتفال لنجيب محفوظ، وكانت المرة الأولى في الحقيقة أن يقام احتفال رفيع المستوى بحضور أم كلثوم التي يعشقها نجيب محفوظ. ومن سمى ابنته الكبرى باسمها. كما حضره عدد كبير من الناس. المثقفون والفنانون في مصر في ذلك الوقت.
ومن خلال رئيس التحرير علي حمدي الجمال، تحدث هيكل مع المبدع نجيب محفوظ عن رغبته في الانضمام مبكرًا لكتاب الأهرام، لكن محفوظ استخدم وظيفته دائمًا كذريعة، وكان يؤجل الفكرة حتى وصوله إلى سن التقاعد، وهو ما حدث بالفعل في ديسمبر 1971.
مع أم كلثوم ونجيب محفوظ
يوسف إدريس
ومن المعروف أن يوسف إدريس هو من طلب العمل في الأهرام. «تساءلت في نفسي من هو رئيس التحرير الذي سيقبل بنشر كل ما أكتبه ويوفر لي الحماية. فكان الجواب: هيكل ولا غيره، فذهبت إليه وطلبت منه الانضمام إلى «الأهرام».
وذهب إدريس إلى مكتب هيكل بجريدة الأهرام، لكنه لم يجده. وأخبرته نوال المحلاوي سكرتيرة مكتبه أنه لم يصل بعد. ترك إدريس رقم هاتفه وقال لها: عندما يأتي الأستاذ قولي له أن فلاناً جاء لزيارته، وهذا رقم هاتفه في البيت، إذا أراد فليتصل بي.
وبالفعل تواصل هيكل مع يوسف إدريس وحدث ما يلي:
وقال يوسف إدريس: “بدون مقدمات يا أستاذ هيكل أريد العمل في الأهرام”.
ورد هيكل: طيب اعتبر نفسك شغال في الأهرام.
فقال يوسف إدريس: إذن لم تسألني عن الأسباب؟
رد هيكل: «مفيش أسباب.. شوف أنت بتاخد من الجمهورية كام والأهرام هيديك أكتر من الراتب ده شوية».
فسأله إدريس: ما هي ظروف عملك؟
فأجاب: “ليس لدي أي شروط… طالما وجدت الشجاعة للكتابة، لدي الشجاعة للنشر”.
وفي 7 أبريل 1969، ظهر اسم يوسف إدريس لأول مرة على صفحات الجريدة وبقي هناك حتى وفاته.
أول قصة نشرها إدريس كانت “الخداع” وتسببت في أزمة كبيرة عندما فُهمت هذه القصة بطريقة معينة، لكن هيكل استطاع حمايته.
أما عن العلاقة الشاملة مع هيكل، فيقول يوسف إدريس: «أولاً كان يكن احتراماً كبيراً لما كتبته، حتى لو كنت تختلف معه في الرأي. وأذكر أنني كتبت ذات مرة مقالاً وفوجئت بتصرف هيكل تجاهي. سألتني السيدة نوال وأخبرتني أن الأستاذ هيكل يريدني أن أتحدث معه في أمر ما، وعندما تحدثت قال لي: هذه الكلمة ليست قوية في المقال. هل تريد منا أن نغيره أم تريد منا أن نزيله؟!
مع يوسف إدريس