
يصادف اليوم الذكرى الـ201 لفك رموز حجر رشيد على يد عالم المصريات الشهير شامبليون في 27 سبتمبر 1822، لكن ماذا يقول العالم المصري سليم حسن في هذا الأمر؟
يقول سليم حسن في موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): وفي عصر ما قبل التاريخ حتى نهاية العصر الأهناسى للدكتور سليم حسن نقرأ:
وظلت اللغة المصرية القديمة سرا نحو 1400 عام حتى جاء شامبليون عام 1822 وكشف أسرارها عن طريق حل الحروف الهيروغليفية. إلا أن لغة الشعب نفسها لم تمحى من البلاد في تلك الفترة، بل ظلت في شكل آخر وهي اللغة القبطية. ومنذ فتح الإسكندر الأكبر لمصر، بدأت كتابة الهيروغليفية، بالإضافة إلى كتابة العلامات المصرية، بالأحرف اليونانية بعد إضافة سبعة أحرف ديموطيقية، وهو ما لم يكن له نظير في اللغة اليونانية. ومنذ ذلك العصر أُطلق على اللغة المصرية القديمة اسم اللغة القبطية، أي المصرية، وكانت الكتابات المتداولة في البلاد في ثلاثة أشكال مختلفة حتى أواخر العصر الروماني في مصر، وهي الكتابة الهيروغليفية؛ أي الكتابة التقليدية للبلاد، ثم الكتابة اليونانية، ثم الكتابة القبطية. واختفت الكتابة الهيروغليفية في أواخر القرن الرابع الميلادي مع اختفاء الوثنية من البلاد، ولم تعود كتابة الشعب. أما اللغة اليونانية فقد توقف تداولها مباشرة بعد الفتح العربي، بينما ظلت الكتابة القبطية لغة الناس في بعض أماكن صعيد مصر في الصلاة والعبادة والمدارس حتى نهاية القرن السابع عشر، ومن ثم وكانت مقتصرة على الصلوات الدينية البحتة حتى يومنا هذا، ولا يعرفها جيدًا سوى عدد قليل من الناس.
ومن هذا نرى أن اللغة القبطية، وهي لهجة من لغات اللغة المصرية، قد حفظت لنا مكتوبة بالحروف اليونانية، ويوجد لها قواعد ومعجم باللغتين شعاع نيوز واليونانية. وفي منتصف القرن السابع عشر، فهم الأب اليسوعي “كرشير” أن اللغة القبطية تحفظ بداخلها اللغة المصرية القديمة المكتوبة. وفي الحروف اليونانية، بدأ في إجراء الأبحاث العلمية في هذه اللغة، لكنه عندما أراد إعادة اللغة القبطية إلى اللغة المصرية لم ينجح أبدًا. وتساءل عن اللغة المصرية: هل لها حروف أم أصوات أم معاني؟ كيف يمكن قراءتها؟
إلا أنه لم يصل إلينا من قدماء اللغة المصرية إلا تعريفات نادرة وغامضة، والاسم نفسه “الهيروغليفية” يدل على الغموض. وتعني “الكتابة المقدسة” كما قال هيرودوت وديودوروس.
وذكر أكليمنضس السكندري الذي عاش في أواخر القرن الثاني الميلادي أنه رأى بعض الناس يتكلمون اللغة المصرية ويكتبونها بالهيروغليفية. وقد أخبرنا هيرودوت ومن بعده ديودورس أن هناك نوعين من الكتابة في مصر: أحدهما كتابة مقدسة، ولا يعرفها إلا الكهنة. والثاني هو الديموطيقي. أي لغة عامة الناس، لكن تفسير هذه الكتابات ظل سرا غامضا حتى كشفت صدفة لقاء مع أحد جنود نابليون عن حجر رشيد عام 1799. وذلك لأن الحملة الفرنسية التي قادها نابليون إلى وادي النيل كانت لم يكن مخصصًا للاحتلال العسكري فحسب، بل كان مخصصًا أيضًا للبحث العلمي. عن الحضارة المصرية، ولذلك جاء معه مجموعة من العلماء، وساعدهم الحظ عندما اكتشف بالصدفة، في أغسطس 1799، ضابط مدفعية يدعى “بوشار” أثناء التنقيب في قلعة رشيد، قطعة من حجر البازلت منقوش عليها ثلاثة نقوش مختلفة، وقد نقش الثالث منها، وهو الأسفل بالنسبة للحجر. باليوناني. ولفظ “الكتابة” هو مرسوم ملكي أصدره بطليموس الخامس عام 196 ق.م. وقد ورد في النص اليوناني أنه نفس النص المكتوب في الكتابتين الأخريين وهما “الكتابة المقدسة” الهيروغليفية و”كتاب الشعب” الديموطيقية.
ومن هذا نرى أن حجر رشيد كتب بالخطين المصريين، وبالتالي فهو يحتوي على المفتاح السري للكتابة الهيروغليفية. ومعاني جميع الكلمات المنقوشة على هذا الحجر موجودة في النص اليوناني، وأول من حاول فك رموز هذا الحجر هو “سيلفيستر دي ساسي” عام 1802، وكان من علماء اللغة شعاع نيوز، و ركزت محاولته على القسم الديموطيقي بسبب شكه في تشابه هذا النص مع الخط العربي. هناك علاقة بينهما. ومع ذلك، لم تنجح جهوده وجهود آكربلاد إلا في التعرف على خرطوش بطليموس.
منذ عام 1814، حاول الدكتور الإنجليزي توماس يونغ فك رموز هذه اللغة من النص الهيروغليفي. لقد عرف من جهود أسلافه أن الأسماء الملكية، مثل بطليموس، يجب أن توضع داخل الخراطيش. وبناء على ذلك، قام بترتيب العلامات الموجودة في الخراطيش على شكل حروف تمثل كلمة ما. بطليموس، وتمكن بالفعل من معرفة مجموعة الحروف التي يتكون منها اسم بطليموس، لكنه لم يتمكن من معرفة الصوتيات الدقيقة التي يتكون منها هذا الاسم، ولذلك عندما أراد أن يطبق الأبجدية التي اشتقها بشكل غير صحيح ولم يتمكن من العثور على أي كلمة قبطية لها نفس النطق. .
في الوقت الذي كان الدكتور توماس يونغ يعمل على هذا الموضوع، كان هناك شاب اسمه جان فرانسوا شامبليون (1790-1832) يدرس التاريخ في جامعة غرونوبل. وأخذ على عاتقه فك رموز هذه اللغة، وكان مولعا بها منذ سن مبكرة، وتعرض للتاريخ المصري، وتعلم كل ما تركه لنا أسلافنا من العصور القديمة عن هذه اللغة واللغة القبطية كما حسنًا. عرف من أعمال دي ساسي ودكتور يونغ أن أسماء الأعلام اليونانية يجب أن تكتب بأحرف الأبجدية المصرية، وعلى هذه القاعدة بنى أساس بحثه الذي كان على طريق النجاح منذ عام 1821.
وكان أول عمل قام به “شامبليون” في هذا الصدد هو أنه بحث في مسألة الاختلاف في الكتابات المصرية القديمة، وأثبت أن الكتابة الهيراطيقية هي اختصار للكتابة الهيروغليفية، وبالتالي فإن الكتابة المصرية القديمة هي نفسها، إلا أنها ويكتب على ثلاثة أشكال كاللغة شعاع نيوز مثلا، إذ يكتب بالركعة والنسخ والثلث. لذلك، في الكتابة الهيروغليفية، كما في الديموطيقية، لا بد من وجود علامات لها قيمة صوتية وأبجدية.
ومن ناحية أخرى، لاحظ شامبليون عندما كان يحسب العلامات الهيروغليفية على حجر رشيد أنها أكبر عددا من كلمات النص اليوناني المقابل. وعليه استنتج أن كل علامة هيروغليفية لا تمثل فكرة أو كلمة، وعلى هذا الأساس بدأ شامبليون بحثه. خرطوش حجر رشيد الثاني، وفي عام 1822 حصل على نسخة من خرطوشين جديدين تم نقشهما على مسلة صغيرة عثر عليها في “الفيلة”. وعلى قاعدة هذه المسلة كتب قربان لبطليموس وكليوباترا باللغة اليونانية. وأثبت شامبليون أن الخرطوش الأول من هذين الخرطوشين كان لبطليموس؛ يبدو تمامًا مثل خرطوش حجر رشيد، والثاني يجب أن يقرأ كليوباترا، لأن هناك خمسة أحرف مشتركة في كلا الاسمين: B، T، L، W، وY.
وفي الحقيقة هناك خمس علامات متشابهة في موقعها المنطقي في كلا الاسمين الهيروغليفيين. ومن ناحية أخرى، لا نجد حرف “س” في اسم الملكة، بينما توجد به علامات جديدة وهي ق، أ، ر، ولا توجد في الملك بطليموس.
الخلاصة: لما كان في هذين الاسمين علامات متشابهة، ويعبران عن صوت واحد في كل منهما، فلا بد أنهما حروف صوتية محضة. وأمضى شامبليون بضعة أسابيع في تطبيق الأبجدية التي وجدها على جميع أسماء البطالمة والقياصرة التي كانت موجودة في كتاب «وصف مصر» الذي طورته الحملة الفرنسية. وتمكن من قراءة 79 خرطوشًا جديدًا آخر، ومن خلال قراءتها تعرف على حروف أبجدية جديدة، وبالتالي تمكن من عمل جدول بأحرف الأبجدية الصوتية.
وقد أظهر هذه النتيجة الرائعة في رسالة أرسلها إلى داسييه، السكرتير الدائم للأكاديمية العلمية الفرنسية، في 27 سبتمبر 1822، أعلن فيها أنه يمكن قراءة الخراطيش الهيروغليفية.